كلمة الدكتور علي عواد

في الندوة العلمية حول كتاب:

دراسات في: اعلام الأزمات والحوار، الاعلام الأمني، القانون الانساني في النزاعات

بدعوة من المجلس الثقافي في جبيل بتاريخ 20 / 12 / 2012


   لكل كتاب رسالة، وكتابنا رسالة أردناها أن تكون باتجاه ثلاث مسائل: الحوا، الاعلام والأمن، واحترام الانسانية في النزاعات، مسائل ساخنة تعصف بعالمنا حاليا.
   سأبدأ بمسألة الاعلام والأمن ثم بمسألة احترام الانسانية والكرامة البشرية في النزاعات، وأنهي بمسألة الحوار، المسألة الشائكة، مسألة المسائل وللأسف ام المعارك.
   سأتكلم في اطار علمي موضوعي وأترك الخلاصة السياسية التي لا بد منها للحضور الكريم.

* الاعلام والأمن:

   إن عدم بناء الشخصية الإنسانية المبنية على القيم الوطنية والفضائل الإيمانية الصحيحة في داخل الفرد هي المشكلة - الأساس للإعلام الأمني بشكل خاص. وتصبح مهمة الإعلام الأمني صعبة جداً إذا تسمّم هذا الفكر وخصوصاً في بداية البناء الفكري في الطفولة والمراهقة والشباب. وان التنشئة على المواطنة وعلى الفضائل والأخلاق تنتج سلوكاً يمنع أعمال تبدأ بـ "الإنحراف" – أصغر الجرائم الأمنية - وتصل إلى جريمة الفتنة، طائفية كانت أم قبائلية أم مذهبية أم قومية.
   من هنا حاجتنا ملحة إلى الإعلام الأمني المرتكز على روح الدين والعقيدة والأخلاق، حاجة يتوقف عليها الصراع مع الفتن المبرمجة والمتربصة بالفجوات في كيان الدولة وفي مقدمها خطر جريمة الفساد. الفساد هو المقدمة الأولى لأي فتنة داخلية، الفساد في مفهوم علم الاعلام الأمني يوفر بيئة حاضنة لفقدان المواطنة.
   جريمة الفساد أسميها أم الجرائم. وأجزم بنظرية علمية بأن جريمة الفساد تعتبر أشد خطراً وفتكاً و"سرطانية" من كل الجرائم. فآثارها تتسع لتشمل الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، بل كل الأبعاد الوطنية، تضرب الأمن القومي والمصالح القومية والقيم الأخلاقية في الوطن والدولة.
   اما في مسألة الصورة الاعلامية لدور رجل الأمن، فتبرز الضرورة الى منع التهجم على دور رجل الأمن تبعا" للمصالح الضيّقة في لعبة الحكم بين موالاة ومعارضة أو أكثرية وأقلية. الواجب الوطني للاعلاميين والسياسيين الذين قد يقفون خلف بعض هؤلاء الاعلاميين هو دعم الجيش والقوات المسلحة بخطاب اعلامي أمني وطني مسؤول. وآخذ من تجربتي الشخصية في رؤية علمية موضوعية لأقول: ان هيبة الدولة وسلطتها تبدآن من صورة رجل الأمن الايجابية في ذهن المواطن، وتتزعزعان مع تشوّه تلك الصورة.
   أختصر وأقول: يقتضي العمل على تعميق دور الإعلام الأمني وتوظيفه لخدمة الوعي الوطني والقضايا الملحة ذات الطابع الأمني لنواكب العولمة في ثقافة تربوية واحدة عنوانها "التحديث في الحوار" مع المحافظة على خصوصيات الذات والكيان في جوهر وحدانية الولاء والانتماء. لنستخدم الوسائل الإعلامية في إطار ميثاق شرفٍ إعلامي يضع التحديدات الأخلاقية للعمل الإعلامي وتصدى لمهدّدات التفكك الوطني.
   لقد بحث كتابنا في هذا المضمون، مؤكّدين أن الإعلام الأمني هو الأداة الرئيسية في فرض الاستقرار من خلال ما يملك من قوة ردعية توجيهية قد توفّر على الحاكم استخدام العصا الغليظة.

* احترام الانسانية والكرامة البشرية في النزاعات:

   ان الأديان السماوية هي النور الأول للقواعد القانونية التي تحفظ حقوق مقاتلي وضحايا النزاعات المسلحة والمدنيين والمواقع المحمية وتفرض قيوداً على استخدام الوسائل العسكرية.
   ...حتى الشتيمة حرّمها الله سبحانه، القدّوس الرحمن الرحيم. ما أروع هذا البعد الإنساني في احترام شخص الفرد مهما كان لونه وانتماؤه ودينه وعرق... حتى الشتيمة وسخرية "قوم من قوم" تدخلان في دائرة المحرمات، اذن تكون نظرة الرب إلى انتهاك القانون الدولي الانساني واهانة الكرامة البشرية خلال النزاعات المسلحة؟
   حتى الحرب لها حدود... قول تبرز أهميته من خلال إلزامية منع اهانة الكرامة البشرية في النزاعات وقمع انتهاكات القانون الدولي ومحاكمة المسؤولين عنها، وتأدية العمل الإنساني حيال الضحايا المدنيين والمواقع المدنية المحمية... يتبلور ذلك في معرفة القائد - سياسياً كان أم عسكرياً - لجوهر القانون الدولي الانساني وتطبيقه.
   لقد بحث الكتاب في هذا البعد الانساني الطاهر. وأكّدنا أن الأثر الإنساني للنزاعات المسلحة هو اثر عميق بسبب وحشية "الإنسان" ورمادية "الشرعية الدولية" أو كيلها بمكيالين. وهذا ما نشاهده حاليا" في أزمات هذا الشرق البائس من عجز انساني مخز حيال ما نشاهده على الشاشات من قتل وتدمير وجثث وأشلاء وبرك دم لمدنيين وأطفال ونساء يتمتعون بالحماية بموجب القانون والدين.
   وأثبتنا في دراسة بعنوان (حرب 12 تموز والقانون الدولي الانساني) (ص285) أن القانون الدولي الإنساني إبان تلك الحرب كان حبرا" على ورق، حبراً داسته أقدام العدوان وعيون الشرعية الدولية جاحظة عاجزة... إنه حبر الإنسانية تحت الأقدام. وأصبحنا نحن العسكريين خبراء القانون الانساني نخجل من طرح هذا القانون حيال (دفتر اللحم) المفتوح في عدد كبير من الدول العربية (دفتر اللحم هو توصيف يعود للراحل الكبير الأستاذ غسان تويني).
   ...حتى الذئب المنتصر لا يجهز على الذئب المنهزم بعضة قاتلة، أما الانسان فقد فعلها!!!
   حتى الغاب لها شرعتها، أين شرعة الإنسان في النزاعات المسلحة؟؟؟
   عرفنا الحرب، ومن يعرف الحرب يعرف قيمة السلام أكثر...

* اعلام الأزمات والحوار:

   اقتبسنا في كتاب نشرناه في العام 1993 بعنوان (الدعاية و الرأي العام) قولا للفيلسوف الهندي طاغو، فيلسوف الانسانية دون منازع، يقول فيه (العنف هو الملجأ الوحيد للعقل المحدود) وأضفنا: أي عقل دون حوار هو عقل محدود، اذ أن الحوار يفتح نوافذ العقل الى رحاب واسعة أهمها رحاب السلام، بينما العنف يجد بيئة خاصة في العقل المحدود.
   وتجدون في الكتاب بين أيديكم دراسة علمية نشرتها في صحيفة السفير 26 شباط 2007 بعنوان (حتى لا تعود جماهير لبنان أنابيب اختبار... وقف الشحن والى الحوار) وقلنا في هذه الدراسة حرفيا (ص 159):
   تكون المشاعر العنفية ودموية ومبالغ فيها عند الجماهير التي لم تخضع لتربية وطنية واحدة. ويلعب عنصر انتفاء المسؤولية دوراً في المبالغة هذه. فالإفلاتُ من القصاص يكون مؤكداً لدى أفراد الجمهوربسبب كتلته الضخمة الطاغية.
   ولقد تجلت هذه الظاهرة أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، حين امتلك الجميع قوة خشنة قاسية وأحياناً متوحشة).
   وأضفنا: (حذار تكرار هذه الظاهرة أيضاً في أحداث العام 2007).
   ورأينا فعلا" تكرار هذه الظاهرة بعد 2007 في غياب الحوار.
   وقلنا في تلك الدراسة حرفيا" (161): بعد أن رصدنا مضمون الخطاب السياسي ـ الإعلامي التحريضي مطلع العام 2007، وعندما نعرف أن علم النفس الاجتماعي يثبت أن الجماهير ـ وبعد تحريض صادم ـ تكرر أخطاءها السابقة، نتساءل: ترى ماذا يخبىء لنا العام 2007.
   ورأينا فعلا ماذا خبأت لنا سنوات ما بعد 2007 في غياب الحوار.
   وقلنا في تلك الدراسة (163): ( لقد لاحظت من خلال تجربتي أثناء الأزمة اللبنانية أن حركة الجماهير اللبنانية ـ سواء في حرب الطوائف خلال حرب السنتين أم في حرب المذاهب في العامين 85 ـ 86 أم في الصراعات السياسية خلال ست عشرة سنة من عمر الأزمة ـ نتجت عن نبش العمق الشعوري النفساني الدفين عند الأطراف المتصارعة بصور تعصبية محورها عقدتي الغبن والخوف، مما أدى إلى إعطاء الأزمة أبعاداً عنيفة قاسية).
   وأضفنا: (حذار من نبش العمق الشعوري النفساني الدفين عند أطراف نزاع مطلع العام2007) ورأينا فعلا ماذا حدث لنا بعد نبش العمق الشعوري الطائفي والمذهبي في سنوات ما بعد العام 2007 في غياب الحوار.
   وقلنا في تلك الدراسة (164): (أعتقد الشعب اللبناني بين الأربعينات والسبعينات أنه ارتقى من مصاف الدول النامية عندما تكلم اللغات الأجنبية وزادت أرصدته في البنوك المترفة بالسرية المصرفية وفتح أبوابه للحرية وللأجانب واستثماراتهم... وجاءت حرب السنتين والأزمات التي تلتها لتبيّن مدى إهماله التربية الوطنية وثقافة العيش المشترك الحقيقي وأطلقت العنان للمشاعر البدائية العدائية الدفينة).
   وأضفنا: (وفي مطلع العام 2007 نقول: حذار إطلاق العنان لتلك المشاعر الدفينة مجدداً! لأن التربية الوطنية الواحدة ما تزال مهملة) .
   ورأينا فعلا" فلتان المشاعرالبدائية العدائية بعد العام 2007 في غياب الحوار.
   وختمنا الدراسة بالسؤال (167): (هل ستعود جماهيرنا أنابيب اختبار في تجارب أزمة 2007 نسأل بسبب أن النظرة الطائفية أو المذهبية إلى الوطن تدفع إلى نشوء تعدديات مجتمعية ـ سياسية. وعندما تتدخل الدعايات الهدامة فإنها تخلق في العمق الجماهيري إيديولوجيات تعصبية، وقد تدمر هذه الإيديولوجيات عنصر المواطنية عند الجمهور، وبالتالي يصبح ولاءه للوطن مزعزعاً. وهذا الأمر قد ينعكس سلوكاً يؤدي إلى صدامات أهلية في الشوارع، وبالتالي اندلاع أزمة أهلية حادة تنذر بأن تصبح نزاعاً مسلحاً داخلياً. وللأسف، تبرز القناعة ولكن بعد فوات الأوان ـ بعد تدمير ذاتي وهستيريا جماعية ـ بأن الحوار هو وسيلة الحل واليقظة، الحوار في مناخٍ إعلامي يرتكز على التنوير والتوعية دون تشويه أو تحريض غريزي، الإعلام الذي يحترم حرية الرأي وتعدديته ويخدم التوجهات الوفاقية نحو وحدة البلاد وقيام سيادة الدولة صاحبة السلطة الموحدة). وأجبنا في الدراسة ذاتها: (حتى لا تعود جماهير لبنان أنابيب اختبار... إلى الحوار فوراً ودون إبطاء...).
   أجري هذا البحث العلمي منذ خمس سنوات، ورأينا فعلا" كيف حدثت صدامات الشوارع في غياب الحوار.
   وفي ندوة علمية عقدت في المجلس الثقافي في جبيل بتاريخ 16-12-2010 بعنوان (الشحن الاعلامي في الأزمات) قلنا ما حرفيته (ص 39):
   (أدخل الشحن الاعلامي في اللعبة الطائفية بعد أن أضحت مركبات الخوف والغبن والاحباط والولاءات المتعدّدة في صلب السياسة اللبنانية... ودفع هذا الشحن بعض الجماهير، وخصوصا" بعد تأثير بعض التدخلات الخارجية، إلى مناخات ذات بعد وطني ضيق وعنفي أحيانا"، وصنعت من اللبنانيين شعباً منتجاً لحروب ضيقة.)
   إذن، ما هو الحل؟
   الالتزام بعدم اسخدام الطائفية السياسية في أنماط الشحن الاعلامي ابّان الأزمات، والمبادرة فورا" الى بحث اشكاليات التصدي لها كأولوية في هيئة الحوار الوطني. وفي غياب تلك الهيئة، ان الشحن الاعلامي الفتنوي واقع لا محالة. أؤكد لكم أن مجتمعنا الأهلي لم يخرج من الحرب كما يشاع، بل هو فيها، وحرب الكلمات أبشع وأخطر من حرب الرصاص.
   على قادة الرأي ألاّ ينسوا أن الشحن الاعلامي بعد أي اشكال أمني أو واقع سياسي ذو أبعاد فتنوية سيولّد اضطراباً وتوتراً، ثم استعداداً لممارسة العنف، فتنهار المناعة الخلقية، ثم ينهار المجتمع... وينهار الوطن. (ستحدث للأسف اشكالات متنقلة بالتأكيد اذا لم يستعد الحوار الوطني نشاطه).
   هذا ما قلناه في اطار علمي في العام 2010، وراينا فعلا" كيف حدثت الفتنة واليوم المجتمع ينهار، ويقترب الوطن من الانهيار...
    واضيف اليوم: متى ندرك أن الاشتباك بالأيدي والعصي والحجارة والسكاكين – بالمعنى الاجتماعي الدوركهايمي – هو أكثر خطورة من اشتباك الرصاص والقذائف؟ انه التحام أكثر وحشية وترجمة حتمية لظاهرة رفض الآخر وفشل الحوار.
    وقد اقترحنا في ختام دراسة العام 2007 وندوة العام 2010ما يلي حرفيا (ص 40):
   علينا التزام إعلان اسمه "ميثاق ثقافة الحوار والسلام" يشارك في وضعه أطراف هيئة الحوار برئاسة رئيس الجمهورية الذي يتمتع بثقة وضمانة الجميع. ولقد حذّر فخامة الرئيس سليمان مرارا" وفي كل اجتماع لهيئة الحوار من الشحن الاعلامي المحرّض على الفتنة، وكان يحرص دائما" على ادراج توصية في نهاية جلسات الحوار الى اعتماد الخطاب الاعلامي المعتدل.
بنود "ميثاق ثقافة الحوار والسلام" بسيطة جدّا هي:
     - التركيز على خطاب اعلامي سياسي يبتعد نهائيا" عن الشحن الاعلامي الساقط.
     - عدم اللجوء إلى العنف أو إلى أي شكل من أشكال النزاع المسلح بوصفه احدى وسائل السياسة الوطنية.
     - التأكيد على حق كل مكوّن طائفي في المجتمع اللبناني أن يعيش حياة لا تكبتها هيمنة تلغي ضميره الخاص. أي التربية الدينية الصحيحة السمحاء وفهم الفضائل في الاستماع للآخر ومشاركته عقله على أساس أن قمع الآخر وعدم الحوار معه هو شكل من أشكال العدوان النفسي الأشدّ ظلما" من العدوان المادي، والله الرب الرحمن الرحيم يحرّم الاثم في العدوان.
   ورأينا جميعا" أننا أمضينا ست سنوات من العنف النفسي والمادي بسبب غياب الحوار الوطني الجدي، تلك المبادرة الوطنية التي أطلقها دولة الرئيس نبيه بري ورعاها فخامة الرئيس سليمان. ورأينا - بعد استعادة الحوار الجدي منتصف هذا العام - كيف تفاهمت وصادقت كل مكونات المجتمع اللبناني على اعلان استراتيجي هو اعلان بعبدا.
   هل تكفي المصادقة على أي اعلان وطني دون تنفيذه؟
   جميعنا لا نعتقد ذلك، آخذين بعين الاعتبار خطورة ربط النزاع السياسي والاعلامي والعسكري والأمني الحاصل بين الوضع الداخلي اللبناني وأزمات المنطقة وخصوصا" وبالتحديد الأزمة السورية مما يضع استقرار الدولة في خطر شديد،
   لذلك، أنه من الأهمية والحسمية الموضوعية بمكان أن يتم الالتزام الجدي ومن قبل جميع المكونات السياسية بتنفيذ اعلان بعبدا، اعلان لبنن حوارات لبنان، بعد جنيف ولوزان والطائف والدوحة، اعلان لبنن خريطة طريق لكيان وطن.
   بصورة علمية وموضوعية، لقد بحث كتابنا في هذا المضمون لثلاثة اعتبارات:
     ١ - ان قراءة ما يجري من أحداث محلية وإقليمية تشير إلى أن الأيام المقبلة ستشهد تصعيدا خطرا ونخشى انعكاس تداعياتها من الساحتين العربية والسورية. وعلى الرغم من محاولات النأي بالنفس حصلت تداعيات خطيرة. فاذا لم ننفذ اعلان بعبدا هل سننجح في ضبط الشارع بعد أن بلغ الشحن السياسي والمذهبي أوجه الخطير وأصبحت بعض القيادات محكومة بالتماهي مع نبض هذا الشارع؟ وأين هو الاعتبار للأغلبية الصامتة المعتدلة من اللبنانيين،القوة الثالثة، الذين يريدون الأمن قبل الرغيف والسلم الأهلي؟
     ٢ - ان الظاهرة الأبرز في وطننا منذ الاستقلال هي أننا لم نعرف للأسف كيف نعالج خلافاتنا السياسية بواسطة الحوار في الوقت المناسب دون اللجوء الى العنف...
     ٣ - أتساءل واياكم: ألا يمكن أن ينزلق الوضع العام نحو العنف كالمرات السابقة في مرحلة هي رغما" عنا ذات مناخات طائفية ومذهبية؟
   ان غياب الحوار الوطني في أية أزمة سياسية كبرى يقود الوضع للانزلاق نحو الفتنة رغم ارادة أهل الوطن، وهذا قول سيصحّ بالتأكيد في لبنان كما صحّ في كل المشهد العربي الحالي.

إخوتي في بلاد العرب،
  إن بناء العدل أصعب بكثير من هدم الظلم.....إن إحقاق الحق أصعب بكثير من إبطال الباطل....... إن النظر إلى المستقبل والتعامل معه بواقعية أهم بكثير من الوقوف عند تفاصيل الماضي المرير.........
   أذكر جيدا أني عندما خرجت من السجن كان أكبر تحد واجهني هو أن قطاعا واسعا من السود كان يريد أن يحاكم كل من كانت له صلة بالنظام السابق، لكنني وقفت دون ذلك ولجأت الى الحوار، وبرهنت الأيام أن هذا الخيار كان الأمثل ولولاه لانجرفت جنوب إفريقيا إما إلى الحرب الأهلية أو إلى الديكتاتورية من جديد. لذلك شكلت (لجنة الحقيقة والمصالحة) التي جلس فيها المعتدي والمعتدى عليه وتصارحا، إنها سياسة مرّة لكنها ناجعة.
   وهذا ما جعل قصة جنوب إفريقيا اليوم واحدة من أروع قصص النجاح الإنساني..
نلسون ماندلا، جوهانزبيرغ.
من رسالة مانديلا للعرب في بداية أحداث العالم العربي.

  لم يأخذ العرب العبرة من التجارب العلمية وتجارب الآخرين. فغاب الحوار وحلّ العنف ملجأ وحيدا" في العقل المحدود، وانفتح دفتر اللحم في بلاد العرب...
  وفي لبنان بدأ غياب الحوار يهدّد وحدة الوطن ويضرب الأمن القومي للبلاد..
  أركان الحوار مدعوون للجلوس أمام الحقيقة والمصالحة الوطنية. كلنا ظالم ومظلوم في آن. لنعترف بذلك، لنعترف ونؤمّن مساحة التقاء واسعة وأكيدة بين كل مكوّنات الوطن السياسية والطائفية والمذهبية ونقدم لرئيس الجمهورية ورقة وطنية جدية تترجم اعلان بعبدا في استراتيجية أمن قومي تترجم استراتيجية سلاح واحد للدفاع عن وطن واحد ضد الاعتداءات الاسرائيلية وأخطار الداخل، ورقة وطنية تصنع ربيعا" لبنانيا" بأيد لبنانية..
  لتكن هيئة الحوار الوطني مثل (هيئة الحقيقة والمصالحة) في جنوب القارة السوداء.
  كلنا في مركب واحد، وغياب الحوار الوطني الجدّي هو جريمة بحق الوطن ستكون لها بالتأكيد تداعياتها الاستراتيجية الخطيرة الفادحة،
كل الاعتبارات السياسية تسقط أمام الوطن،
كل الاعتبارات التحالفية تسقط امام التصدي لعدو صهيوني ما تزال أطماعه تفتك بنا من وريد الى وريد، من وريد الجنوب الى وريد غزة، من وريد المحيط الى وريد الخليج،
كل الاعتبارات الطائفية تسقط أمام الوجود والكيان،
كل الاعتبارات المذهبية تسقط أمام وجوه الأطفال،
شعبنا الصامت الصابر المظلوم سيشهد لنا وعلينا.